سورة الشورى - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)}
معنى الهمزة في {أَمْ} التقرير والتقريع. وشركاؤهم: شياطينهم الذين زينوا لهم الشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا؛ لأنهم لا يعلمون غيرها وهو الدين الذي شرعت لهم الشياطين، وتعالى الله عن الإذن فيه والأمر به وقيل شركاؤهم: أوثانهم. وإنما أضيفت إليهم لأنهم متخذوها شركاء لله، فتارة تضاف إليهم لهذه الملابسة. وتارة إلى الله؛ ولما كانت سبباً لضلالتهم وافتتانهم: جعلت شارعة لدين الكفر، كما قال إبراهيم صلوات الله عليه: {أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس} [ابراهيم: 36] {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء. أو: ولولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي بين الكافرين والمؤمنين. أو بين المشركين وشركائهم.
وقرأ مسلم بن جندب {وأنّ الظالمين} بالفتح عطفاً له على كلمة الفصل، يعني: ولولا كلمة الفصل وتقدير تعذيب الظالمين في الآخرة. لقضي بينهم في الدنيا.


{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)}
{تَرَى الظالمين} في الآخرة {مُشْفِقِينَ} خائفين خوفاً شديداً أرق قلوبهم {مِمَّا كَسَبُواْ} من السيئات {وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} يريد: ووباله واقع بهم وواصل إليهم لابد لهم منه، أشفقوا أو لم يشفقوا. كأن روضة جنة المؤمن أطيب بقعة فيها وأنزهها {عِندَ رَبِّهِمْ} منصوب بالظرف لا بيشاؤون قرئ {يبشر} من بشره. ويبشر من أبشره. ويبشر، من بشره. والأصل: ذلك الثواب الذي يبشر الله به عباده، فحذف الجار، كقوله تعالى: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] ثم حذف الراجع إلى الموصول، كقوله تعالى: {أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً} [الفرقان: 41] أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده. روي أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض: أترون محمداً يسأل على ما يتعاطاه أجراً؟ فنزلت الآية: {إِلاَّ المودة فِي القربى} يجوز أن يكون استثناء متصلاً، أي: لا أسألكم أجراً إلا هذا، وهو أن تودوا أهل قرابتي؛ ولم يكن هذا أجراً في الحقيقة؛ لأنّ قرابته قرابتهم، فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة. ويجوز أن يكون منقطعاً، أي: لا أسألكم أجراً قط ولكنني أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم.
فإن قلت: هلا قيل: إلا مودّة القربى: أو إلا المودة للقربى. وما معنى قوله: {إِلاَّ المودة فِي القربى} [الشورى: 23]؟ قلت: جلعوا مكاناً للمودة ومقراً لها، كقولك: لي في آل فلان مودّة. ولي فيهم هوى وحب شديد، تريد: أحبهم وهم مكان حبي ومحله، وليست (في) بصلة للمودَّة، كاللام إذا قلت: إلا المودّة للقربى. إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك: المال في الكيس. وتقديره: إلا المودّة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها. والقربى: مصدر كالزلفى والبشرى، بمعنى: قرابة. والمراد في أهل القربى. وروى أنها لما نزلت قيل: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناهما» ويدل عليه ما روى عن علي رضي الله عنه: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسد الناس لي. فقال: {أما ترضى أن تكون رابع أربعة: أوّل من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذريتنا خلف أزواجنا} وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي. ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة» وروي: أنّ الأنصار قالوا: فعلنا وفعلنا، كأنهم افتخروا، فقال عباس أو ابن عباس رضي الله عنهما: لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهم في مجالسهم فقال: «يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي»؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: «ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي»؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «أفلا تجيبونني»؟ قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: «ألا تقولون: ألم يخرجك قومك فآويناك، أو لم يكذبوك فصدقناك، أو لم يخذلوك فنصرناك» قال: فما زال يقول حتى جثوا على الركب وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله. فنزلت الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة» وقيل: لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم قربى، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه نزلت. والمعنى: إلا أن تودوني في القربى، أي: في حق القربى أو من أجلها، كما تقول: الحب في الله والبغض في الله، بمعنى: في حقه ومن أجله، يعني: أنكم قومي وأحق من أجابني وأطاعني، فإذ قد أبيتم ذلك فاحفظوا حق القربى ولا تؤذوني ولا تهيجوا عليّ. وقيل: أتت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال جمعوه وقالوا: يا رسول الله، قد هدانا الله بك وأنت ابن أختنا وتعروك نوائب وحقوق ومالك سعة، فاستعن بهذا على ما ينوبك، فنزلت وردّه.
وقيل {القربى}: التقرب إلى الله تعالى، أي: إلا أن تحبوا الله ورسوله في تقرّبكم إليه بالطاعة والعمل الصالح. وقرئ: {إلا مودّة في القربى} {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} عن السدّي أنها المودّة في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومودّته فيهم. والظاهر: العموم في أي حسنة كانت؛ إلا أنها لما ذكرت عقيب ذكر المودّة في القربى: دل ذلك على أنها تناولت المودّة تناولاً أوّلياً، كأنّ سائر الحسنات لها توابع. وقرئ {يزد} أي: يزد الله. وزيادة حسنها من جهة الله مضاعفتها، كقوله تعالى: {مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] وقرئ {حسنى} وهي مصدر كالبشرى، الشكور في صفة الله: مجاز للاعتداد بالطاعة، وتوفيه ثوابها، والتفضل على المثاب.


{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)}
{أَمْ} منقطعة. ومعنى الهمزة فيه التوبيخ، كأنه قيل: أيتمالكون أن ينسبوا مثله إلى الافتراء، ثم إلى الافتراء على الله الذي هو أعظم الفرى وأفحشها {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} فإن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم، حتى تفتري عليه الكذب فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم، وهذا الأسلوب مؤدّاه استبعاد الافتراء من مثله، وأنه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في جملة المختوم على قلوبهم. ومثال هذا: أن يخوّن بعض الأمناء فيقول لعل الله خذلني، لعل الله أعمى قلبي، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب. وإنما يريد استبعاد أن يخوّن مثله، والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم، ثم قال: ومن عادة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق {بكلماته} بوحيه أو بقضائه كقوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18] يعني: لو كان مفترياً كما تزعمون لكشف الله افتراءه ومحقه وقذف بالحق على باطله فدمغه. ويجوز أن يكون عدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب، يثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مردّ له من نصرتك عليهم، إنّ الله عليم بما في صدرك وصدورهم، فيجري الأمر على حسب ذلك.
وعن قتادة {يَخْتِمْ على قَلْبِكَ}: ينسك القرآن ويقطع عنك الوحي، يعني: لو افترى على الله الكذب لفعل به ذلك، وقيل {يَخْتِمْ على قَلْبِكَ}: يربط عليه بالصبر، حتى لا يشق عليك أذاهم.
فإن قلت: إن كان قوله: {وَيَمْحُ الله الباطل} كلاماً مبتدأ غير معطوف على يختم، فما بال الواو ساقطة في الخط؟ قلت: كما سقطت في قوله تعالى: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر} [الإسراء: 11] وقوله تعالى: {سَنَدْعُ الزبانية} [العلق: 18] على أنها مثبتة على في بعض المصاحف.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9